ابن بطوطة: امير الرحالة المسلمين - د. زياد الحكيم

يتمتع الرحالة ابو عبد الله محمد ابن بطوطة ( 1304- 1369) بشهرة واسعة في كل انحاء العالم الاسلامي فقد قطع في الرحلات الطويلة التي قام بها اكثر من خمسة وسبعين الف ميل، وذلك يزيد ثلاث مرات على ما قطعه الرحالة الايطالي ماركو بولو في رحلته الشهيرة الى كاثي. وقد سجل ابن بطوطة تفصيلات رحلاته التي استغرقت في مجملها نحوا من تسعة وعشرين عاما من الذاكرة، ويشمل ذلك الاماكن والاشخاص والمجتمعات والعادات والاحتفالات التي شهدها. ويعتبر ما سجله تأريخا نادرا للحياة الاسلامية في القرن الرابع عشر.

ولد ابن بطوطة في الرابع والعشرين من فبراير عام 1304 في طنجة بالمغرب. ويعتقد الدارسون انه كان ينتمي الى اسرة عريقة، يعود تاريخها في طنجة لعدة اجيال قبل ولادته. وكان الكثيرون من العائلة يعملون في سلك القضاء، وهو ما فعله ابن بطوطة نفسه عندما انهى رحلاته واستقر في فاس.

بدأ ابن بطوطة اولى رحلاته عام 1325، وزار مختلف انحاء العالم الاسلامي. وكتب عن بداية رحلاته يقول:

"كان خروجي من طنجة مسقط رأسي في /رجب/725هـ1324م معتمداً حج بيت الله الحرام وزيارة قبر الرسول عليه الصلاة والسلام، منفرداً عن رفيق آنس بصحبته، وركب أكون في جملته، لباعث على النفس شديد العزائم، وشوق إلى تلك المعاهد الشريفة... فجزمت نفسي على هجر الأحباب من الإناث والذكور، وفارقت وطني مفارقة الطيور للوكور، وكان والداي بقيد الحياة فتحملت لبعدهما وصباً، ولقيت كما لقيا نصباً."

تزوج ابن بطوطة مرات عديدة وطلق مرات كثيرة. وامتلك بعض العبيد في مرحلة من حياته. ونجا من الاصابة بالطاعون عام 1348 عندما انتشر الوباء وقضى على عدد كبير من سكان العالم. وعندما اثار بذخه شكوك حكام الهند وجزر المالديف تمكن ابن بطوطة مرة اخرى من تجنب كارثة واجيز له ان يواصل رحلاته.

وقام ابن بطوطة بثلاث رحلات استغرق مجموعها تسعا وعشرين سنة. واقام مدة طويلة في الهند، وفيها مارس القضاء سنتين، وفي الصين وفيها مارس القضاء سنة ونصف السنة.

وعندما عاد ابن بطوطة الى فاس امتع سلطان المغرب وبلاطه بحكاياته ومغامراته. ووصف ما حدث له في اثناء هذه الرحلات ومن عرفه من رجال ونساء وما لاحظه من عادات واخلاق. فكلف السلطان محمد بن جزي الكلبي بتسجيلها. وهكذا كان كتابه "تحفة النظار في غرائب الامصار وعجائب الاسفار" عام 1358. ولم يكن ابن بطوطة لغويا مبدعا، الامر الذي اجاز لابن جزي ان يزيد وان ينقص في ما املاه عليه ابن بطوطة.

يشكك كثير من المؤرخين في كتاب ابن بطوطة من حيث هو سجل تاريخي موثوق، ذلك انهم يعتقدون ان ابن بطوطة وابن جزي اطلقا العنان لخيالهما في تسجيل عادات الاقوام الذين عاش في ظهرانيهم وتقاليدهم ولباسهم ومأكلهم وفي وصف البلاد واجوائها وجبالها وبحارها. غير ان الناقدة مارينا تولماتشيفا التي تعتبر كتاب ابن بطوطة وثيقة تاريخية يمكن الاعتماد عليها علميا تقول ان الكتاب مرجع تاريخي وثقافي عن وضع المرأة المسلمة في الحقبة التي عاش فيها ابن بطوطة. ولايزال كتاب محدثون يحاولون تتبع الطريق التي سار عليه ابن بطوطة في رحلته، ويصفون بطريقتهم الخاصة المدن والقرى التي اجتازها ويقارنون ذلك بما وصفه ابن بطوطة في القرن الرابع عشر.

بقي ان نقول ان ابن بطوطة توفي في مراكش عام 1369 ميلادية. وتلقبه جامعة كيمبردج البريطانية في كتبها واطالسها بأمير الرحالة المسلمين.